في تجربة لم تتعدى أيام، كانت لي جولة قصيرة بما يعرف محليا " مارشي الحوت" المتواجد بميناء العيون المحتلة، وهو مكان أشبه بحظيرة صُغرى يستأسد فيها الأقوياء على الضُعفاء، و تمارس داخلها ميكانيزمات الاستيطان بإحكام و تتبلور داخلها لغة الغاب المخزنية .
فمنذ الصباح الباكر تبدأ عملية العرض لما لذ و طاب من أطباق النهب و صناديق الثروة، و يُستقبل الزوار بضجيج المكان، وروائح السمك المتناثر هنا وهناك، وبين حيز و آخر تستوقفك السياجات التي تحيط بالسلع و بجانبها صاحب المركب، فيستهل المنادي المزاد أو مايُطلق عليه اسم " الدلال " و الذي يتنقل بين موضع و آخر مع انتهاء العملية و التي ينسجها باحترافية اللص و مكر المنتفع فتتوزع الصناديق على القروش البيضاء و تُقسم الغنائم بين معشر الوافدين من الشمال في انتظار تحميلها صوب العمق المغربي، عبر شاحنات عجت بها جنبات الميناء المذكور، وللعلم فعملية الشراء تتم وفق " مسطرة " تستلزم توفر المعني ببطاقة تُخوله ذلك، و يبقى امتلاك هذه الوثيقة حكرا على المغاربة و القليل فقط من الصحراويين الذين حتى وان كانت بحوزتهم فلا حول لهم ولا قوة في مواجهة أباطرة الاستنزاف، ليَظل الانسان الصحراوي داخل هذه القاعة حبيس الانتظار و المن عبر توسلات للحصول على صندوق واحد أو اثنين على الأكثر كي يُعيد بيعه للقروش ثانية و يكسب الفرق و الذي لا يتجاوز دريهمات لا تُسمن و لاتُغني من جوع، فميزان القوة غير متكافئ، و السبيل للمواجهة مستحيل في ظل هذه المعادلة.
سيناريو يتكرر و بشكل يومي ستعجز معه الآلة الحاسبة في عد الأصفار المتراكمة من مجموع الحمولات، بين الرخويات و الأسماك بمختلف أشكالها، وستدرك كَمَّ الاستنزاف الممارس و آليات الاستحواذ المغربي على مُقدرات الأرض الصحراوية.
بقلم : المحمودي الصالح